يحيى محمد
الاساس المنطقي للنظرية
لو اعتمدنا على القاعدة المنطقية القائلة بان البسيط هو اساس المركب ومتقدم عليه، فسيمكننا بسهولة ان نرد كل شيء مركب الى اجزائه البسيطة. والعلوم الطبيعية تعمل بهذه الخاصية الاساسية ازاء الاشياء المادية والحياتية. فالكائنات الحية المعقدة كالحيوانات اللبونة مردها الى كائنات ابسط منها، فجسم الحيوان مكون من اجهزة، وهذه من اعضاء، ثم ان هذه مؤلفة من انسجة، والاخيرة تتكون من خلايا، والخلية هي وحدة الكائن الحي، وهي بدورها تتألف من عناصر ابسط منها، حيث فيها النواة والسايتوبلازم فضلاً عن الغشاء الذي يحيطها، وكل منها يتكون من عناصر ابسط، حتى يصل الامر الى البروتينات، ومثلها الكاربوهيدرات والدهون، ومن ثم الاحماض الامينية، وبعدها العناصر الكيميائية، مثل الاوكسجين والهايدروجين والكاربون والنايتروجين. كما تتحلل هذه العناصر الى ما هو ابسط منها حتى تصل الى الهايدروجين كأبسط عنصر كيميائي، وهو بدوره يتألف من جسيمي الالكترون والبروتون، والاخير مؤلف من الكواركات وقواها الداخلية، مثلما ان للالكترون قواه الكهرومغناطيسية. وعلى هذه الشاكلة سائر الجسيمات الذرية.
ومبدئياً ان عالمنا الكبير قابل للتحليل الى عالم صغير للغاية يصل الى مرحلة الجسيمات الذرية، وليس من الممكن ان نقول العكس، فنعتبر اننا لو حللنا الجسيمات البسيطة فانها ستنتج لنا عالماً كبيراً. ويعتبر هذا الامر المنطقي اساس ما تعول عليه العلوم الطبيعية، ومن ذلك ان الخلية هي اساس جسم الكائن الحي المتعدد الخلايا وليس العكس.
ويمكن تطبيق القاعدة السابقة على عالم الرياضيات، فنقول بان الواحد هو اساس الاعداد المؤلفة منه وليس العكس، فالخمسة يمكن تحليلها الى وحدات بسيطة هي تكرار للواحد ذاته. اما العكس فغير ممكن، بمعنى انه لا يمكن تحليل الواحد لينتهي الى خمسة او الى ما هو مركب منه. فالكل قابل للتحلل الى الاجزاء المكون منها، لكن الجزء لا يمكنه ان يتحلل الى الكل الاعظم منه.. ففاقد الشيء لا يعطيه، رغم انه قد يكون احدهما حاكياً ومعبراً عن الاخر، كتعبير المعلول عن علته وحكايته لها وفق الاعتقاد الفلسفي القديم.
وعموماً ان اغلب تعاملنا مع الظواهر الطبيعية قائم على مثل هذا القدر الواضح والشفاف، مع ذلك لا يلتفت الى ظواهر اخرى تخضع الى المنطق ذاته؛ إما لأننا لم نفكر فيها، او لأن تعاملنا معها جارٍ بشكل مقلوب. ويمكن ان ابين ذلك من خلال عدد من الظواهر الفيزيائية، وسأبدأ بظاهرة الحركة الجسمية كالتالي:
ان اي حركة جسمية حينما يكون لها بداية ونهاية فانها تمر بتدرج من البسيط الى المركب؛ ان لم تكن هناك قوى اخرى تؤثر عليها خلال الرحلة. فالحجر الذي ارميه رمية افقية او الى تحت او فوق لا بد ان يتحرك بتسارع، وبدونه تستحيل الحركة. كما لا بد ان يتسلسل هذا التسارع من البسيط فالمركب حتى يصل الذروة، ومن ثم ينعكس الحال فيتحول من الاسرع فالاقل سرعة وهكذا حتى يستقر.. فمثلاً لو ان حركة الحجر تسارعت خلال مدة اقصاها (20 ثانية) ثم عادت فتقهقرت حتى استقرت، فما يحصل هو ان سرعته خلال اللحظة الاولى هي ليست كسرعته خلال اللحظة الثانية او الثالثة وهكذا. ففي اللحظة الثانية يكون الحجر اسرع مما هو خلال الاولى، والثالثة اسرع مما هو خلال الثانية وهكذا. وليس من الممكن ان يحصل العكس، فتكون سرعته الطبيعية من دون مؤثر خارجي طارئ خلال اللحظة الثانية اعظم من سرعته خلال الثالثة او الرابعة.. فالاستحالة هنا واضحة، وانه لا بد من التدرج من البسيط فالمركب. فالمسافة التي يجتازها الحجر خلال اللحظة الاولى هي اقل من تلك التي يجتازها خلال اللحظة الثانية، وهذه اقل من اللحظة الثالثة، وهكذا سائر اللحظات والثواني. ولو فرضنا ان كل لحظة تكشف عن تسارع مضاعف، فاذا كانت السرعة لدى اللحظة الاولى تجتاز متراً فقط، فان ما تجتازه خلال اللحظة الثانية تعادل مترين، وخلال اللحظة الثالثة تعادل اربعة امتار وهكذا حتى تصل الذروة ثم تعود فتتباطأ بالتدريج؛ ما لم تكن هناك قوة مؤثرة تعمل على التسريع كالجاذبية مثلاً.
فهذا هو المقصود بتدرج السرعة او الحركة من البسيط الى المركب، وعندما يقال ان سرعة سيارة معينة قد بلغت حوالي (100 كم) في الساعة، فذلك يعني ان هذا الحساب مأخوذ من حيث المعدل العام لهذه السرعة، وان المسافة التي تجاوزتها من اول سنتمر واحد - مثلاً – لا يمكن ان تتساوى مع جميع المسافات الاخرى المماثلة، فلا بد في البداية ان تكون السرعة قليلة وبسيطة ثم بعدها تتضاعف، ولا يمكن ان تكون هذه السرعة خلال الثانية الاولى او جزء ضئيل منها هي بمقدار ما تساوي السرعة في الازمان اللاحقة. فالتسارع هو التعجيل وزيادة السرعة، ولا يمكن القفز بالسرعة من دون ان تمر بمراحل تطوي خلالها المسافة بشكل اكبر واعظم حتى تصل الذروة.
وعندما يصل الحديث الى العالم الجسيمي للفيزياء فانه يكون ادق مما استعرضناه للايضاح والتبيان، لكن الحال لا يختلف في النتيجة عما يحصل في عالمنا المشهود. حيث تخضع الجسيمات الى التعجيل بسبب بعض الطاقات التي تكتسبها من خلال التفاعل مع قوى طبيعية، او من خلال ما يزودها الانسان من طاقة كما في المعجلات او المصادمات. فعندما تزود بعض الجسيمات بطاقة عالية فانها تزداد حركة وتسارعاً، وانها في هذه الحالة تمر بذات التبيان الذي عرضناه فيما يخص رمي الحجر.
ومعلوم ان اقصر مسافة هي تلك التي يشير اليها الفيزيائيون بعنوان طول بلانك (10-33سم)، وان اقصر زمن هو زمن بلانك (10-43ثانية)، أما أقل سرعة في الكون فهي غير محددة ضمن ثوابت بلانك ومشتقاتها، ففي هذه المشتقات نجد سرعة بلانك، وهي عبارة عن قسمة طول بلانك على زمن بلانك، وتساوي ذات سرعة الضوء الثابتة من دون اختلاف. وبلا شك لسنا بحاجة الى هذه السرعة العظيمة، فما نحتاج اليه هو اقل سرعة ممكنة.. وهذا ما يدعونا الى ان نفترض بان اجتياز مسافة طول بلانك، وهو اقل مسافة ممكنة، يحتاج الى زمن طويل نسبياً كي تكون السرعة وكمية الحركة اقل قدر ممكن، الى درجة ان اي زمن يفترض اطول من ذلك فانه يكون قد تجاوز مسافة طول بلانك بمرتين فصاعداً. فابسط حركة وسرعة هي تلك التي تجتاز مسافة طول بلانك ضمن اكبر قدر ممكن للزمن. وللاسف يبدو انه ليس هناك تقدير فيزيائي لهذا الزمن كي يمكن حساب اقل سرعة ممكنة، لكن المعنى حاضر ودال على المطلوب.
وينطبق هذا الحال على الطاقة الحرارية، فعندما نتعامل مع زيادة هذه الطاقة او نقصانها نفترض ان هناك وحدات حرارية تبدأ من البسيط فالمركب، حالها حال قطع المسافة والزمن والتسارع. وعليه لا يمكن القفز بالطاقة الحرارية من دون التدرج فيها، فالحرارة المرتفعة هي تركيب مؤلف من اجزاء بسيطة تمثل الاصل الذي تركبت منه هذه الطاقة. واقل درجة حرارة مفترضة هي ما يطلق عليها الصفر المطلق، اي صفر كلفن، وتساوي ( -273°C). فقد يكون هناك ما هو اقل من هذه الدرجة، ولحد الان لم يتمكن العلماء من الوصول الى هذه الدرجة، لذا فهي تمثل القيمة النهائية المفترضة لابرد شيء في الكون. اما اقل درجة حرارة تم الوصول اليها فهي جزء ضئيل جداً من كلفن واحد. فالرقم القياسي العالمي لادنى درجة حرارة تم التوصل اليها لحد الان هي (0.0000000001) كلفن.
ويفترض انه لدى درجة الصفر المطلق تكون الحركة صفراً، اي يتحقق عندها السكون المطلق، لكن عندما نأخذ مبدأ عدم اليقين بعين الاعتبار فان من الممكن الحصول على حركة صغيرة دون التمكن من بلوغ نقطة السكون المطلق. ومبدئياً ان ادنى حركة مفترضة هي تلك التي تكون عند تلك الدرجة القياسية لادنى درجة حرارة كما اشرنا اليها.
وينطبق ما سبق ذكره على مختلف حالات الطاقة. ومعلوم ان اقل وحدة للطاقة هي ثابت بلانك، وتساوي (6,6262 × 10-34 جول على الثانية، أو كيلو غرام متر مربع على الثانية)، وعلى هذه الوحدة الثابتة تتأسس مركبات الطاقة.
هكذا فكل الظواهر الطبيعية المكشوفة تثبت حالة التدرج في التصاعد والهبوط. فما لم تكن بعض الظواهر ثابتة او تتغير كيفياً فانها تخضع للتصاعد والهبوط التدريجي.
لكن هذه القاعدة تتنافى مع ما يذكر حول بداية الانفجار العظيم من حركة وحرارة وطاقة عظيمة للجسيمات خلافاً للشواهد الطبيعية المألوفة. فالحركة والحرارة والطاقة عموماً لم تتدرج من الاقل فالاكثر، بل ما يُذكر هو العكس تماماً، فقد تم تصوير انها كانت في البدء في اقصى درجات الحركة والحرارة والطاقة من دون اختزال، ثم بعد ذلك توالى انخفاض هذه الدرجات باتساق. في حين يفرض علينا التفكير المنطقي ان يكون العكس هو الصحيح. لا بمعنى التشكيك فيما كان عليه الكون من حركة وحرارة وطاقة قصوى، بل بمعنى انه لا بد من ان يسبق ذلك شيء من التدرج الحركي والحراري والطاقوي حتى وصل الحال فيما وصل اليه من ضخامة. وعليه فالاولى ان يقال بان الكون البدئي كان بارداً ادنى درجات البرودة، مع بداية حركة هي ادنى حالات السرعة، ومثل ذلك عموم الطاقة، ومنها بدأ الازدياد لعوامل معينة حتى وصل الحال الى الاشتباك والتفاعل وتوالي الانفجارات..
اذ كيف يمكن للمركب ان يحدث دفعة واحدة من دون اختزال او مرور بالبسائط؟ فمع ان الفيزيائيين اعتمدوا على التفكير المنطقي لدى استنتاجاتهم بان البسائط المادية قد سبقت مركباتها، فالالكترونات ومجمل الجسيمات كانت موجودة قبل ان تتكون الذرات، كما ان الذرات سبقت الجزيئات، وان الاخيرة كانت اساس الهياكل المجرية والنجمية التي تكونت منها، كما ان العناصر الكيميائية قد بدأت بابسطها تركيباً وهو الهايدروجين، ومثل ذلك ما كان عليه التفكير التطوري للاحياء كما لدى داروين وغيره من العلماء، فالكل يتفق على ان الحياة نشأت من ابسط وحدة ممكنة وان التعقيد اخذ يتدرج شيئاً فشيئاً، مع نفي ان تكون هناك ظاهرة حية غير قابلة للاختزال، حتى انتهى الامر الى الانسان الذي يمثل احدث نتاج تطوري عبر الزمن.
مع ذلك فان التفكير الفيزيائي لم يتصف على الدوام بالمنطقية، فهناك ظواهر يذكرها غير قابلة للاختزال بالفعل. فما رأيناه من تفكير منطقي متعلق بتركيب العناصر والجسيمات المادية لم يُطبَّق على بسائط الطاقات ومركباتها، ومنها الطاقة الحركية والحرارية، فقد تم افتراض ان هذه الطاقة كانت ضخمة للغاية منذ البدء ضمن مرحلة ما تسمى المفردة او التفرد الكوني، وبالتالي فانها تعتبر ظاهرة غير قابلة للاختزال.
فمن المعقول ان يبدأ الكون بارداً ثم يزداد حرارة لأسباب معينة، اما ان يبدأ فجأة بحرارة ضخمة فهو ما يتنافى مع قاعدة ان المركب يحتاج الى بسيط يسبقه وجوداً؛ سواء كان السبق ذاتياً ام زمانياً. فالحرارة الضخمة ومطلق الطاقة لا يمكن ان توجد ما لم يسبقها وجود ما هو ابسط منها، فليس من المعقول وجود طاقة وحرارة عاليتين فجأة من دون مرور بالتدرج الطاقوي والحراري.
والملاحظ اننا لو افترضنا ان النشأة الاولى للكون كانت حارة؛ فسيستدعينا ذلك للبحث عن علة وجود هذه الحرارة والطاقة. ولحد الان يعجز الفيزيائيون من تفسير هذه الحالة، وانها لا تخضع للقوانين الفيزيائية المعروفة. أما لو افترضنا ان الكون كان بارداً منذ البدء؛ فسوف لا يستدعي ذلك البحث عن علة هذه البرودة، اذ ليست هناك حرارة او طاقة مركبة تحتاج الى تفسير فيزيائي. فالتفسير يأتي تباعاً بعد ان تظهر الحرارة والطاقة المركبة، خاصة عندما تكون ضخمة ضمن حيز فضائي ضيق. وعليه نفترض ان الكون بدأ بطاقة بسيطة حدية غير قابلة للتحليل والتبسيط، مثل طاقة ثابت بلانك، وبسرعة هي ادنى سرعة، وبدرجة حرارة تعتبر اولى بعد الصفر المطلق. فكل ذلك يمثل بسائط طاقوية مفترضة كأساس لسائر مركبات الطاقة، والبحث فيها يدخل ضمن اطار اعمق للميتافيزيا العلمية.
وبهذا الصدد يمكن ان نستنتج بان النشأة الباردة تشير الى كون فضائي لا متناه، فيما تشير النشأة الحارة الى كون فضائي متناه.
لكن اعتبار الكون ذا فضاء متناه يثير اسئلة يصعب على الذهن البشري حلها، اذ كيف يمكن تصور حدود هذا الفضاء من دون ان يكون وراءه شيء؟.. وعلى عكس ذلك ان من الممكن تعقل الفضاء اللامتناهي مثلما يمكن تعقل الزمن اللامتناهي للوجود. وعليه يصبح الكون المتناهي يثير اسئلة ميتافيزيائية مستعصية بخلاف الكون اللامتناهي، وكذا فيما يخص الكونين الحار والبارد، فالكون البارد لا يثير مشكلة في طرح اسباب ما يجعله بارداً، فيما يثير الكون الساخن مشكلة حول مصدر طاقته الساخنة.
وتعود فكرة الكون البارد الى مؤسس نظرية التوسع والانفجار العظيم القس الفيزيائي لومتر (عام 1927ـ1930)، لكن عدداً من الفيزيائيين منهم رالف الفر وجورج جاموف قاموا بطرح نموذج بديل يتحدث عن بداية حارة للكون، فهي تمثل فرناً بدئياً للتخليق النووي. فقد وجدوا ان للهليوم وفرة كبيرة هي ما جعلت كلاً من الفر وهريمان (عام 1948) يتنبأ بفكرة وجود اشعاع الخلفية الكونية المنبعث من تلك الفترة ذات التخليق النووي والتي ينبغي ان تحمل بصمات الكون الاولي بوفرة الهايدروجين والهليوم.
وفي قبال هذه الفكرة اقترح غاسبريني وفينيتسيانو - من دعاة نظرية الأوتار الفائقة - بأنه قد يكون هناك عالم لا نهائي في فضاء سابق على بداية كوننا هذا، أو في عصر ما قبل الإنفجار العظيم، وقد وصف الكون في تلك المرحلة بأن العالم بدأ أساساً بارداً من دون سخونة شديدة في فضاء غير متناه، كما كان مجعداً بشدة، وقد تعرض هذا العالم لعدم ثبات؛ دافعاً كل نقطة في الكون إلى التباعد بعضها عن البعض الآخر بسرعة كبيرة، وسبّب هذا الحال تحدباً أكثر للفضاء مما أدى إلى زيادة هائلة في الحرارة والطاقة. وبعد بعض الوقت تكونت منطقة ثلاثية الأبعاد في حجم ملمتر داخل هذا المدى الشاسع، مثل كتلة كثيفة ساخنة جداً ومنبثقة من تمدد جوث التضخمي.
وفي (عام 2016) ظهرت نظرية اعادت الى الاذهان النقاش الدائر قبل حوالي (100 عام) حول نفي ان يكون الكون قد اتى عن طريق الانفجار العظيم. فبحسب هذه النظرية ان حدوث الكون كان بفعل انكماش كون سابق توسع نتيجة قفزة كبرى، وهكذا بشكل دوري من دون انقطاع الى ما لا نهاية له، وان الانكماشات والانهيارات المتكررة لا تفضي الى التدمير الشامل للكون استناداً الى مبدأ عدم اليقين في اللاتحدد. فحاله في ذلك حال منطاد يتوسع وينكمش باستمرار عبر قفزة كبرى. وقد تم دعم هذه النظرية بمحاكاة حاسوبية وضعها فريق من بريطانيا وكندا. وشرح ستيفن جيلين احد اعضاء هذا الفريق من جامعة امبريال في لندن مؤكداً بان الميكانيكا الكمومية ستنقذنا حال انهيار كل شيء وتفككه. فهي ستحمي الذرات وتمنع الالكترونات من ان تندفع نحو الداخل لتدميرها، وبذلك قد يمكنها انقاذ الكون من البدايات والنهايات العنيفة كما يحدث للانفجار العظيم. فعند الانهيار يكفي وجود مادة واشعاع قليلين لكي يعود الكون بقفزته من جديد عبر تطبيق الميكانيكا الكمومية..
كما قال عضو الفريق نيل تيرك من كندا: «ان المفاجأة الكبرى في عملنا هي أنه يمكننا توصيف اللحظات الأولى للانفجار العظيم الحار طبقاً للميكانيكا الكمومية، في ظل حد ادنى من الافتراضات المعقولة جداً حول المادة الحاضرة في الكون. ووفقاً لهذه الافتراضات فان الانفجار العظيم قد ارتد بقفزة من الانكماش نحو التوسع والامتداد».
ويتطلع الفريق الان لمعرفة ما اذا كان يمكن لهذا النموذج ان يفسر في نهاية المطاف تخلق الاجرام السماوية كالمجرات والنجوم..
وليست هذه هي المرة الأولى التي ادعى فريق من العلماء أن الانفجار العظيم كما نعرفه لم يحدث أبداً. بل سبق ذلك في شهر فبراير من العام ذاته ان ابتكر فريق من الباحثين من مصر نموذجاً يتضمن بان الكون يتشكل على الدوام من دون بداية ولا نهاية، عبر استخدام ميكانيكا الكوانتم والنسبية العامة معاً. والمقصود بذلك الباحث المصري الشاب احمد فرج علي ومساعديه.
كما ظهرت نظرية تعرف بالبلازما الكونية العائدة الى عدد قليل من الفيزيائيين والفلكيين ابرزهم العالم السويدي الحائز على جائزة نوبل هانز ألفن (Hannes Alfven). فمن وجهة نظره ان هناك عدداً من الامكانات التفسيرية لعلاقة هابل، ولا شيء حتى الان يؤكد اياً منها، لكنه اقترح بديلاً اعتبره ابسط الامكانات من دون حاجة لافتراض فكرة الانفجار العظيم، وهو الاقتراح الذي شاركه فيه استاذه السابق اوسكار كلاين، والذي يعتمد على انتاج المادة والمادة المضادة.
وخلاصة هذه النظرية هي انها تعوّل على الكثرة الهائلة للبلازما الساخنة في الكون، وترتد في الاساس الى القوة الكهرومغناطيسية، من دون حاجة الى انفجار عظيم ولا مادة مظلمة ولا طاقة داكنة ولا بداية زمنية محددة للكون، فالتطورات الكونية تحدث على الدوام بلا بداية ولا نهاية، وبالتالي ليس هناك شيء ينبثق من العدم او الفضاء الصرف.
ويعتبر كتاب (الانفجار العظيم لم يحدث أبداً) لمؤلفه اريك لينر (Eric Lerner) والصادر (عام 1991) اول جهد لوصف هذه الثورة الفيزيائية وما ترتب عليها من اثار.
وبغض النظر عن هذه التفاصيل المفترضة نميل الى الاعتقاد باننا نعيش في حيز مكاني ضيق من فضاء بارد وغير متناه.. ومع ان الحديث عن اي سيناريو يتعلق بالتخلق الاولي للكون يتصف بانه اسطوري تكثر فيه التكهنات، خاصة وان المعلومات الفيزيائية حول الموضوع ما زالت ضحلة للغاية، لكن ذلك لا يمنع من طرح افتراضات اولية رغم صعوبة حسم الموضوع فيها، وبالتالي كان لا بد من تقديم صورة منطقية لدى تعاملنا مع هذا الحال. فنقول انه لا غنى من افتراض بداية باردة جداً للكون، وهو ما نرجحه بقوة. ونعتبر هذا الافتراض شرطاً ضرورياً لجعل التفكير الفيزيائي يتخذ صورة منطقية.
للبحث صلة...