يحيى محمد
شجرة النظام الاخلاقي
من الاسئلة الهامة في البحث الابستيمي: هل تتخذ القضايا المعرفية شكلاً من التسلسل الاستنتاجي؟ وهل هي ذات طابع هرمي؟
ويتعلق هذا السؤال بكل من قضايا العقلين النظري والعملي، لا سيما الاخلاقي.
قديماً كان الفلاسفة يعتقدون بالتسلسل الاستنتاجي الهرمي، حيث تتربع المبادئ الاولى للمعرفة في اعلى الهرم ومنها يتم استنتاج سائر المعارف الثانوية. وعادة ما يوضع مبدأ عدم التناقض في قمة الهرم كأساس للمعرفة ليستنتج منه ما يعتبر من المبادئ الاولى مثل مبدأ السببية، فضلاً عن اعتباره المبدأ المشروط لكل معرفة صحيحة.
لكن حقيقة ما يجري في تحليل النمو المعرفي لا يدل على ذلك. فمن الملفت للنظر ان مبدأ عدم التناقض يتقبل التصنيف ضمن لائحتين من القضايا المختلفة، احداهما منطقية، والاخرى وجودية. فمبدأ عدم التناقض المنطقي ليس معنياً باستنتاج القضايا الخارجية، بل ما يعنى به هو القضايا المنطقية فحسب، لذلك لا يمكن لمبدأ السببية العامة ان يستنتج منه، وهو الحال الذي كشف عنه ديفيد هيوم. أما عدم التناقض الوجودي فهو محافظ لا يستنتج منه قضية كشفية خارجية غير ذات الشيء الموجود او المعدوم، فإن كان الشيء موجوداً فلا يمكن ان يكون معدوماً في الوقت ذاته، والعكس بالعكس.
لذا نعتقد ان العقل النظري مركب من عدد من القضايا الاولية المختلفة، فبعضها يعمل كشرط معرفي بدونه تنتفي موضوعية المعرفة قاطبة، مثل عدم التناقض المنطقي، اذ لولا هذا المبدأ لكان حال المعرفة لا يختلف عن الغرائز البايولوجية التي تخلو من القيمة الموضوعية. وبعض اخر يتصف بالمحافظة مثل مبدأ عدم التناقض الوجودي. فيما بعض ثالث استكشافي يعمل كمفتاح لسبر الواقع الخارجي، وهو على قسمين: محايد كما في المنطق الاحتمالي، ومنحاز كما في مبدأ السببية العامة. كذلك ان من القضايا الاولية ما هو حدسي يخلو من الضرورة العقلية، كما في معرفتنا للواقع الموضوعي العام.
هذا في العقل النظري. اما في العقل العملي، والاخلاقي منه على وجه الخصوص، فالقضايا المعرفية تزداد تعقيداً مقارنة بما لدى العقل النظري. واذا كان مبدأ عدم التناقض هو الشرط الاساس لامكان المعرفة الموضوعية، ومن ثم انه يتربع في اعلى الهرم النظري ان جاز التعبير، فانا نواجه مشكلة فيما يمكن ان يوازي هذا المبدأ في العقل العملي الاخلاقي، اذ ما المبدأ الذي يتربع في قمة الهرم العملي؟.
قد يهوّن حال هذه المشكلة ما سبق ان عرفنا بان مبدأ عدم التناقض لا يمثل الاساس الوحيد في استنتاج المعارف قاطبة، فثمة مبادئ اخرى تقف الى جانبه، رغم ان هذا المبدأ يمثل – بصيغته المنطقية لا الوجودية - شرطاً ضرورياً لكل قضية معرفية خلافاً لسائر القضايا الاخرى.
وهنا يمكن ان نجد مبادئ اساسية للعقل العملي الاخلاقي دون الاكتفاء بواحد منها، شبيه بما لدى العقل النظري. وكلها عائدة الى الاخلاق الحدسية دون الموضوعية والذاتية ضمن تقسيمنا الثلاثي الذي سبق ذكره خلال حلقات هذه السلسلة. لذلك سنسعى الى رسم خارطة العقل العملي وفق المبادئ الاساسية التي تشكل كمالات الوجود الارادي.
أصناف الاخلاق الحدسية
بداية لا غنى عن تقسيم قضايا العقل العملي الاخلاقي الى فئتين، احداهما سلوكية تحتاج الى التعامل مع طرف خارجي بالضرورة. والثانية قلبية لا تتعلق بالسلوك الخارجي. ويمكن ان نصطلح على الاولى بالاخلاق السلوكية، وعلى الثانية بالاخلاق القلبية. وللتعرف عليهما نتبع ما يلي:
أـ الاخلاق السلوكية
وتُعنى بعلاقة الاخلاق الخارجية بين طرفين. وغالباً ما يكون الطرفان مستقلين عن بعضهما البعض، مثل ان تتشكل العلاقة الاخلاقية بين زيد وعمر، رغم ان من الممكن ان تتشكل هذه العلاقة بين الفرد وذاته ايضاً، او حتى بين الفرد والحيوان. وهي من وجهة نظرنا تكاد تكون قائمة على مبدئين فقط، هما: العدل والاحسان. فبدون هذين المبدئين تكاد تغيب هذه العلاقة وما يترتب عليها من زوال النظام السلوكي للاخلاق.
ان العدل والاحسان هما فضيلتان اساسيتان في الاخلاق السلوكية، ويتميزان عن سائر الفضائل الاخلاقية بحملهما خاصية الظهور الخارجي بغض النظر عن منشأهما الباطني او القلبي. في حين ليس لبقية الفضائل اي اعتبار من دون اللحاظ القلبي، اذ يؤخذ بها ولو لم تظهر انعكاساتها السلوكية. فهذا ما جعلنا نحصر الاخلاق السلوكية في المبدئين المشار اليهما من دون اضافة اخرى، حيث الحكم فيهما من حيث السلوك والظاهر، ولا يفي بهذا الحكم ما يجري في القلب من مشاعر ونيات خالصة من دون سلوك. فيما يكون الحكم في بقية الفضائل من حيث القلب والباطن بغض النظر عن السلوك والظاهر.
إن لكل من العدل والاحسان موارد مختلفة ينطبق عليها، وان التمييز بينهما واضح. ومن موارد العدل العقوبات المناسبة والقصاص وحفظ الامانة ورد الوديعة والقرض وغيرها. بل حتى الصدق يعتبر من هذه الموارد، فالكذب قائم على التضليل، وهو نوع من الظلم. وعلى هذه الشاكلة شهادة الزور والغيبة والبهتان والغدر والخيانة؛ فكلها موارد تصنف ضمن لائحة الظلم المقابل للعدل وفق العلاقة السلوكية. أما موارد الاحسان فمثل العفو والجود والكرم والتسامح وغيرها من الفضائل الخارجية.
وتتخذ العلاقة بين العدل والاحسان اشكالاً من الاتصال والانفصال، فاحياناً يجتمعان في علاقة اخلاقية واحدة، فيما يفترقان في علاقة اخرى؛ فيحضر احدهما فيما يغيب الاخر. ومن حيث الدقة ثمة خمسة أشكال للعلاقة بينهما كالتالي:
1ـ التفرد: وفيه يتفرد احد المبدئين بالحضور عبر بعض مصاديقه دون الاخر. فقد يحضر الاحسان مع غياب مصاديق العدل واضدادها، او على العكس، حيث يكون التفرد للعدل مع غياب مصاديق الاحسان. فمثلاً ان حالة الصدق في اعطاء المعلم للمعلومة مقابل الاجر الذي يحصل عليه تعتبر من التفرد بالعدل، اذ ما يقابل هذه الحالة هو الكذب، وهو من الظلم باعتباره مضللاً. وبلا شك لا تتضمن هذه الحالة ما يعود الى الاحسان. في حين ان الجود والكرم والاقراض والاعانة - التي تُقدّم ابتداءاً - هي من التفرد بالاحسان دون العدل.
2ـ الاجتماع: وفيه يجتمع أحد مصاديق المبدئين (العدل والاحسان) في طرف، والاخر في الطرف المقابل، وذلك ضمن العلاقة الاخلاقية الواحدة من دون تزاحم. وكمثال عليه تنازل الدائن عن حقه في الدين. فمن العدل ان يرد المدين المبلغ المدان به الى الدائن. وفي الوقت ذاته ان من الاحسان ان يتنازل الدائن عن حقه في الدين. وهو حال يتصف باجتماع طرفين متقابلين من دون تزاحم ولا اضافة ولا اندماج كما يحصل في بعض الحالات التي ستمر علينا. فهو يعني من حيث التحليل ان المدين قام بتسليم المبلغ المطلوب للدائن، وهو عين العدل، لكن الدائن اعاده اليه من باب الاحسان. لذلك فالعدل والاحسان قد تحققا في هذه العلاقة من الاجتماع لدى الطرفين المتقابلين.
3ـ الاضافة: وفيه يضاف الاحسان الى العدل في ذات الطرف لدى العلاقة الاخلاقية. فعند العودة الى المثال السابق حول القرض، قد يحدث في حالات معينة ان المدين لا يكتفي برد الدين المستحق عليه الى الدائن، وهو من العدل، بل يضيف اليه شيئاً من الاكرام والجود، وهو من الاحسان لا الربا. فيكون الاحسان قد اضيف الى العدل لدى الطرف ذاته من العلاقة الاخلاقية. لذا يختلف هذا الشكل عن السابق الذي يجتمع فيه الاحسان والعدل لدى طرفين متقابلين لا طرف واحد.
4ـ البدل: وفيه تكون العلاقة الاخلاقية قائمة على البدل لوجود التزاحم، فاما ان تُسدد بالعدل او بالاحسان، مع عدم القابلية على الجمع بينهما. وكمثال عليه حالة التردد بين العقوبة والعفو في الجنايات العادية، فالعقوبة تحقق العدل، فيما العفو يحقق الاحسان، وهما متزاحمان لا يجتمعان.
5ـ الاندماج: وفيه لا يمكن فصل الاحسان عن العدل، او العدل عن الاحسان، وذلك لاندماجهما معاً من دون قابلية على العزل. وكمثال عليه انقاذ الغريق من الموت عند التمكن والاستطاعة، حيث يحمل وجهين ممتزجين، فهو من جانب يمكن تصنيفه ضمن لائحة العدل، اذ من الواجب انقاذ الغريق عند التمكن من دون مانع.. كما من جانب اخر يمكن تصنيفه ضمن لائحة الاحسان؛ لبذل الجهد في الانقاذ من دون مقابل.
وعلى هذه الشاكلة حينما يحدث تزاحم بين حالتي الصدق وانقاذ بريء من القتل، حيث العمل بكل منهما واجب عند الانفراد، لكن لا سبيل للجمع بينهما، كما لا يجوز العمل بالخيار ولا العمل بالمرجوح، اذ الراجح بيّن على نحو التعيين، وهو انقاذ البريء. ويعتبر هذا المثال كالسابق حيث يندمج فيه العدل مع الاحسان.
ويؤسف له ليس في لغتنا ما يمكن الاصطلاح على هذه الحالة الخاصة من الاندماج التي يتداخل فيها العدل والاحسان معاً بلا قابلية على العزل والفصل والتفكيك.
ان العدل والاحسان في العقل العملي السلوكي يوازيان مبدأ عدم التناقض في العقل النظري، اذ يمثل كل طرف اساس العقل الذي ينتمي اليه، وبدونهما ينهدم العقلان. لكن للاحسان ميزة اخرى، وهي انه مفتاح للتعامل الرحب ضمن افق المحبة والتعاون. وهو بهذا يوازي مبدأ السببية لدى العقل النظري، فبدون هذا الاخير ينغلق باب العلم بتفاصيل الواقع الموضوعي. كما بدون الاحسان ينغلق العقل العملي في التفاعل بين الافراد والكيانات الاجتماعية بلا توسع رحب في العلاقات ولا محبة ولا تعاون..
لذلك نعتبر الاحسان الخالص غاية الخير والصلاح في النظام الاخلاقي السلوكي، وان العدل هو الحد الادنى لهذا النظام. لكن يبقى ان جوهر هذا النظام قائم على العدل والاحسان معاً، مع الاخذ بعين الاعتبار ان الافضلية للاحسان عند التردد بينهما ما لم يتجاوز ذلك معيار الخير والصلاح الذي مضى الحديث عنه خلال بعض حلقات هذه السلسلة.
وفي النص القرآني: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ (النحل: 90). ففي الاحسان أمر، كما في العدل أمر. لكن كثيراً ما لا يفي العدل بالمطلوب. فهو لا يرقق القلوب ولا يجعلها متعاطفة. وفي حالات الصراع قد يؤدي العدل المحض إلى سلسلة متواصلة من الاعتداء المتبادل. فمن العدل ان يُرد الاعتداء بالمثل، لكنه قد يكون سبباً في استمرار الصراع وردود الافعال المتبادلة بين الطرفين. فيما العفو العائد الى الإحسان قد ينهي الصراع أساساً.
هكذا يشكل العدل والاحسان دائرة النظام الاخلاقي السلوكي من دون مزيد، فهما كافيان في تشكيل العلاقة المضايفة.
ب ـ الاخلاق القلبية
بالاضافة الى الاخلاق السلوكية وفق العلاقة التضايفية الخارجية؛ ثمة اخلاق قلبية تدور محاورها ضمن قلب الشخص ذاته بغض النظر عن السلوك الخارجي. فاذا كان العدل والاحسان يشكلان مجال العلاقة الاخلاقية الظاهرة مع الاخر؛ فان خصائص اخلاقية اخرى تمتاز بأنها تنتمي الى ما في قلب الانسان بما يجعلها مختلفة عن المبدئين السابقين. ويمكن تقسيمها الى ثلاثة محاور مختلفة كالتالي:
1ـ محور الأنا: وفيه يدور قلب المرء حول ذات الأنا كمحور للرؤية والتعامل الذاتي، مثل ان تتصف نظرة النفس لذاتها بالتواضع والبساطة، او بالغرور والعجب والنرجسية والمركزية.
2ـ محور المشاعر: وفيه يميل قلب المرء الى عدد من المشاعر والاهواء، مثل ان تتوارد الميول الخاصة بالاخلاق الصالحة، كالرحمة والمحبة والحياء والزهد والرضا بالقدر والتحلي بالصبر وغيرها. وعلى خلافها الاخلاق الذميمة. كذلك هو الحال في الاهواء النفسية المتعلقة بالاشياء المادية، ومثلها الرغبات المعنوية.
3ـ محور النيات: وفيه يتحدد الدافع الذي يتخذه قلب المرء من سلوكياته، كدافع الاخلاص والتقوى مثلاً.
وترتبط هذه المحاور بعضها بالبعض الاخر، حيث يمثل محور الانا الاساس الذي يبنى عليه محور المشاعر والميول بوعي وبغير وعي، رغم وجود التعقيد في علاقة التأثير المتبادلة بينهما. كما ان من خلال محور المشاعر يتحدد محور النيات والدوافع.
وكلها تعتبر من الاخلاق القلبية بغض النظر عن انعكاساتها على العلاقة الظاهرة للاخلاق الفعلية السلوكية، فهي وان كانت قابلة للترجمة الى الاخلاق الخارجية، لكنها مستقلة عن الفعل والسلوك، اي انها لا تنتمي الى عالم العلاقة الخارجية، وبالتالي فهي مستقلة عن العدل والاحسان الذين تجمعهما خاصية الظهور في العلاقة السلوكية بغض النظر عن منشأهما القلبي.
***
ولتحليل النظام الاخلاقي عموماً نجد ان منشأ الاخلاق السلوكية قائم على الاخلاق القلبية. فليس ثمة علاقة سلوكية من دون ان يكون لها اساس في الاخلاق القلبية. ومن ثم فالعدل والاحسان قائمان على الاحساس القلبي بهاتين الصفتين، وهو ما يعني ان جميع الاخلاق السلوكية نابع من القلب ضمن افق الأنا والنية والميول من دون عكس.
على ان من الاخلاق القلبية ما لا يمكن ان تنعكس بذاتها، وابرز ما يرد في هذا المجال النية كالاخلاص، ومثل ذلك الحياء، حيث لا يمكن لمثل هذه الصفات ان تتحول بذاتها الى سلوك وفعل، بل تتخذ وسائل مناسبة للتعبير عن مثل هذه الاحاسيس، وهي لا تُعرف من قبل الاخرين الا بقرائن مختلفة. في حين ان الاحساس بالعدل ضمن الاخلاق القلبية - مثلاً - يمكن ان يتحول الى عدل على نحو الاخلاق الفعلية او السلوكية. كذلك ان الاحساس بالرحمة والعفو وغيرها من الصفات - ذات العلاقة بالاحسان - يمكن ان تترجم الى افعال مباشرة.
كما يلاحظ بهذا الصدد انه لا ضرورة من اشتراط التلازم في التوافق بين ما يجري في القلب من جانب، وما ينعكس عنه من اخلاق فعلية من جانب اخر. فقد يظهر العدل والاحسان على صعيد الاخلاق السلوكية، لكن تحقق ذلك لا يأتي بالضرورة وفقاً للاخلاص وصفاء النيّة، بل قد يحصل لاكراهات مختلفة، مثل الرياء وما شاكل ذلك. والرياء في حد ذاته هو من النيات والدوافع القلبية قبل ان يتحول الى شكل من اشكال الاخلاق السلوكية المبطنة. ومثل ذلك الصدق، فقد يحصل الصدق لكن ليس بالضرورة ان يكون منبعه الاخلاص القلبي.
ويمثل الاخلاص درجة كمالية للصدق وغيره من العلاقات الاخلاقية العائدة الى العدل والاحسان. لكنه في حد ذاته لا ينتمي الى العدل ولا الى الاحسان، او مجمل العلاقة السلوكية، انما يمثل احساساً باطنياً عائداً الى النية ضمن الاخلاق القلبية كما اشرنا سلفاً.
ونشير الى ضرورة التمييز بين حدس القضايا الاخلاقية كما يعيه العقل البشري من جهة، وبين الاحساس بهذه القضايا من حيث الارتباط العاطفي – كالايمان - من جهة ثانية. فالعدل مثلاً هو من الحدس الاخلاقي العام، لكن الاحساس به - كقيمة متعينة يفرضها الضمير الاخلاقي بنية خالصة - هو امر اخر يختلف عن حالة الحدس العقلي الخاص به. فالكثير من الناس لا يستجيبون لصوت العدالة والضمير، ليس لانهم لا يدركون حدسيتها، بل لاكراهات مختلفة مثل مراعاة مصالحهم الشخصية.
إن أروع ما في الانسان قيمه الأخلاقية.. لا علمه ولا حريته ولا قدراته. وعلى الرغم من وضوحها وحلاوتها وسلاستها لكنها أمانة ثقيلة الحمل، ويظهر أثر ذلك عند المواقف الحرجة مثل الخصومة والعداوة. فرغم سلاسة ادراك نور العدالة، لكن يصعب تطبيقها على الخصوم والاعداء، فكيف اذا ما أضفنا اليها نوراً آخر مثل الإحسان (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)؟ وهذا هو منبع بؤس البشر وشقائهم.
أخيراً لا بد من الاشارة الى ان النظام الاخلاقي يحمل نسقاً بعضه يدعو الى البعض الاخر باتساق.. بمعنى ان اي صفة اخلاقية سواء كانت ايجابية او سلبية فانها تشجع على نظائرها الاخرى. فالاتصاف بصفة ايجابية يشجع على الاتصاف بالصفات الايجابية الاخرى، كما ان الاتصاف بصفة سلبية يشجع على الاتيان بأخواتها. فالخير يجرّ إلى خير آخر، والشر يجرّ إلى شر على شاكلته، كالذي اشرنا اليه في (تأملات في اللاشعور).